الوضع القانوني للمالكين والمستأجرين نتيجة تغير الظروف بسبب جائحة كورونا

الوضع القانوني للمالكين والمستأجرين نتيجة تغير الظروف بسبب جائحة كورونا

منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، انتشر فيروس كورونا المستجد (COVID- 19) في جميع قارات العالم تقريباً، ولا تزال أعداد حالات الإصابة تتزايد. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في 12 مارس/ أذار 2020، أن فيروس كورونا المستجد، الذي مازال يتفشى في مختلف أنحاء العالم، بات "وباء عالميا"، مؤكدة في الوقت نفسه أنه لا يزال من الممكن "السيطرة عليه".

وحيث أن الدول المجاورة للملكة الأردنية الهاشية أعلنت عن تسجيل إصابات بفيروس كورونا المستجد، فما كان من الحكومة الأردنية إلا أن بدأت بإتخاذ إجراءات وقائية ضرورية جازمة وسريعة لتصدي لانتشار هذا الوباء، من خلال تعليق الدراسة في المدارس والجامعات والأنتقال إلى التعليم الإلكتروني، ومنع دخول الأجانب من الدول التي أنتشر بها الفيروس ثم العمل بقانون الدفاع وتعليق الرحلات البرية والبحرية والجوية، ومنع التجمعات بكافة أشكالها و أنواعها، ومنع إقامة الصلوات في المساجد ثم تعطيل المؤسسات الحكومية والخاصة بإستثناء بعض المؤسسات ثم فرض حظر التجول الشامل منعا من إنتشار الوباء.

وحيث أن ما يمر به العالم الأن ومملكتنا الحبيبة من ظروف صعبة سوف تلحق أضرارا إقتصادية على الدولة - لاقدر الله ونتمنى أن لا تحدث - وبسبب طبيعة الحياة وما تتطلبة من تداول للعملات والتجارة وابرام للعقود وغيرها من اجل إستمرار العجلة الإقتصادية، وانه في مثل هذه الظروف قد أصبح هنالك فئات غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها و أصبح تنفيذ إلتزامها مستحيلا، وهنالك فئة أخرى وإن كان تنفيذ إلتزامها ليس مستحيلا لكنه قد أصبح مرهقا وقد يهدد أحد طرفي الالتزام بخسارة فادحة.

وتعتبر (عقود الإجارة خاصة) من أهم عقود المنفعة التي تبرم ما بين المالكين والمستأجرين ومن أكثر العقود انتشارا ليس على المستوى الوطني فحسب بل ايضا على المستوى العالمي سوء أكانت غايتها مدنية أم تجارية، ومع انتشار هذا الوباء وبدء العمل بقانون الدفاع وتعطل الحياة اليومية في الكثير من القطاعات التجارية وغيرها. وبناءا على ذلك ظهرت وسوف تظهر ايضا العديد من الخلافات القانونية والفقهية وغيرها لمعرفة الوضع القانوني لعقود المنفعة (عقود الاجارة خاصة) في ظل تفشي وباء كورونا المستجد. للوقوف على هذه الإشكالية وللوصول إلى قاعدة قانونية يمكن السير عليها يجب علينا بيان الإلتزامات المترتبة على المالكين والمستأجرين في ظل سريان قانون الدفاع الذي جاء تفعيلا لما تمر به المملكة من ظروف إستثنائية بسبب فايروس كورونا المستجد.

عالج الدستور الأردني أحكام الطوارئ التي تستدعي الظروف اللجوء اليها حيث نصت المادة 124 منه (اذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية الى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن ويكون قانون الدفاع نافذ المفعول عندما يعلن عن ذلك بارادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء.

وبناءا عليه صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء، إعلان العمل بقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، في جميع أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية، اعتبارا من 17 آذار/ مارس 2020. ونصت المادة الثانية من قانون الدفاع على أنه في حال انتشار آفة أو وباء "يعلن العمل بالقانون بإرادة ملكية تصدر بناء على قرار من مجلس الوزراء".

وهنا قد تلجأ الحكومة إلى إصدار أوامر دفاع تؤدي إلى تعطيل الحياة اليومية، حيث صدر أمر الدفاع رقم 2 والتي جاء فيها (1. يحظر تنقل الأشخاص وتجوالهم في جميع مناطق المملكة وذلك ابتداء من الساعة السابعة صباحاً من يوم السبت الموافق 21/3/2020 وحتى أشعار آخر 2. تغلق جميع المحلات في مناطق المملكة كافة وسيتم الإعلان صباح يوم الثلاثاء الموافق 24/3/2020 عن أوقات محددة تسمح للمواطنين من قضاء حوائجهم الضرورية وبالألية التي ستعلن في حينه). من خلال أمر الدفاع رقم (2) أغلقت العديد من المتاجر والمصانع وغيرها من المنافع المستأجرة أبوابها إستجابة لأمر الدفاع، وحيث أن العديد من المستأجرين لديهم إلتزامات ببدل الإجارة والتي غالبا يكون متفقا عليها عند نهاية كل شهر ميلادي، وإن العديد من المستأجرين يعتمدون على نشاطاتهم وممارستهم في الحياة اليومية من أجل تأمين بدل الأجرة المتفق عليها وتنفيذ إلتزاماتهم بموجب عقود الإجارة المبرمة ما بين المالكين والمستأجرين. السؤال الأن هل يعفى المستأجريين أو المالكيين من الإلتزامات المترتبة عليهم بسبب تفشي وباء كورونا المستجد والعمل بموجب قانون الدفاع؟

عرف المشرع الأردني عقد الإجارة في القانون المدني في المادة 658 وقال إن الايجار تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من الشيء المؤجر لمدة معينة لقاء عوض معلوم. تعتبر عقود الإجارة من العقود الملزمة للجانبين ومن العقود المستمرة، وحيث أن المؤجر لم يكن السبب في منع المستأجر من تملك المنفعة محل عقد الإجارة، وانه إذا عجز المستأجر عن الوفاء بالتزامه بموجب عقد الإجارة سواء أكان بصورة كلية أو جزئية، إنما نشأ عن سبب لا يد لإحدهما فيه. وإنما بسبب تفشي وباء كورونا المستجد التي يرى البعض أنها قوة قاهرة التي تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا، ينما نحن نرى أنها ظرفا طارئا لا تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا إنما مرهقا وقد يلحق ضررا بالمدين.

ورد تعريف القوة القاهرة في القانون المدني في المادة 247 والتي جاء فيها (في العقود الملزمة للجانبين اذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه فاذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل ومثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة وفي كليهما يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين). من خلال ما سبق حدد المشرع الشروط الواجب توافرها في القوة القاهرة لكي تكون سببا في إنقضاء الإلتزامات الملزمة للجانبين وهي: أن تكون عامة في جزء من البلاد ، حدث طارئ، غير متوقع، تصعب السيطرة عليه، إستحالة مطلقة بتنفيذ الإلتزامات و تعطل الحياة اليومية بشكل كبير، مثل زلزال مدمر.

أما الظروف الطارئة فقد ورد تعريفها في المادة 205 من القانون المدني والتي جاء فيها (اذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها ان تنفيذ الالتزام التعاقدي وان لم يصبح مستحيلا، صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للمحكمة تبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين ان ترد الالتزام المرهق الى الحد المعقول ان اقتضت العدالة ذلك. ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك). أما الشروط الواجب توافرها في الظروف الطارئة أن تكون عامة في كل أرجاء البلاد، حدث طارئ، غير متوقع، أن تجعل هذه الظروف أو الحوادث الاستثنائية تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلا.

وحيث ان وباء كورونا المستجد هو أمر طارئ وحدث إستثنائي عام ولم يسبق أن واجهت المملكة ظرفا مثل هذه الظروف من قبل، ولقد كان غير متوقع حيث أنه بدأ من مدينة ووهان الصينية وانتشر في جميع أنحاء العالم بسرعة كبيرة جدا، وقد جاء عاما في كل أرجاء البلاد لإن أمر الدفاع رقم 2 جاءا عاما على جميع محافظات المملكة، ومن الملاحظ أنه لم يعطل الحياة العامة واليومية في الدولة بشكل مطلق بل جاء بشكل محدود وعلى بعض القطاعات، فيما يتعلق بتنفيذ الإلتزامات فإنه ليس مستحيلا حيث ممكن تنفيذ الإلتزامات المتعلقة بعقود الإجارة من قبل المستأجر والمؤجر ولكنه قد يكون مرهقا بعض الشي على أحد طرفي العلاقة العقدية، و معيار الإرهاق هو معيار موضوعي، يُنظر فيه الى الصفقة ذاتها لا الى شخص المدين ومقدار ثروته. فلا يمنع من تطبيق هذه النظرية أن يكون المدين مقتدراً مالياً، ولكن يكفي أن يكون تنفيذ التزامه التعاقدي بالذات قد أصبح مرهقاً لتحقق شروط نظرية الظروف الطارئة، نستتنتج مما سبق أن فيروس كورونا المستجد هو أقرب من الناحية العملية والمنطقية لنظرية الظروف الطارئة أكثر من القوة القاهرة وبالتالي يجوز للمحكمة وتبعا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة المؤجر والمستأجر ان ترد الالتزام المرهق الى الحد المعقول لتخفيف الأضرار التي قد تلحق أطراف العلاقة العقدية. وليس فسخ العقد كونه قد تعرض لعوامل أدت إلى إستحالة تنفيذه.

وهنا نلاحظ ان للمحكمة سلطة تقديرية جوازية وليست وجوبية من أجل تقدير توافر الظروف الإستثنائية ومعيار الإرهاق وتخفيف الإلتزام إلى الحد المعقول. وتستطيع المحكمة أن ترفع الإرهاق على المستأجر من خلال تقليص مبلغ الأجرة الشهرية المستحقة على المستأجر مثلا وذلك عن فترة الظروف الطارئة، أما فيما يتعلق بالمؤجر فإذا لم يكن قد سلم المأجور للمستأجر للمحكمة ان تمنحه مدة اضافية لتجهيز المأجور وتسليمه للمستأجر دون أن يتسبب ذلك إلى فسخ العقد.

حيث يعتبر العقد موقوفا لإنه يمكن تنفيذه بعد زوال سبب وقف الإلتزام وهذا ما أكدته ونصت عليه المادة 11 من قانون الدفاع الأردني والتي جاء فيها (اذا تعذر تنفيذ اي عقد او التزام بسبب مراعاة احكام هذا القانون او اي امر او تكليف او تعليمات صادرة بمقتضاه او بسبب الامتثال لهذه الاحكام فلا يعتبر الشخص المرتبط بهذا العقد مخالفا لشروطه بل يعتبر العقد موقوفا الى المدى الذي يكون فيه تنفيذ العقد متعذرا ويعتبر ذلك دفاعا في اي دعوى اقيمت او تقام على ذلك الشخص او اي اجراءات تتخذ ضده من جراء عدم تنفيذه للعقد او الالتزام).

حيث أن المقصود بالمنفعة المعقودة من المأجور وفقا لما جاء في عقد الإجارة هو تمليك المنفعة المقصودة من الشيء، وكون عقود الإجارة المؤجرة لغايات السكن لم تتعارض مع غايات المستأجر حتى بتفعيل قانون الدفاع، بالتالي تبقى الإلتزامات المترتبة على المالكين والمستأجرين نافذة بحقهم وبموجب بنود العقد. أما العقود المؤجرة لغايات أخرى غير السكن سواء أكانت تجارية، أو صناعية، أو مهنية وغير ذلك هؤلاء المستأجريين قد حرموا من إستعمال المأجور للغاية المؤجر من أجلها فما هو وضعم القانوني في هذه الحالة؟

هنا يجب أن نفرق بين حالتين: الحالة الأولى وهم طائفة القطاعات التي لم تتأثر بفيروس كورونا أو بأوامر الدفاع، مثل قطاع التموين ويشمل البقالات والدكاكين والسوبر ماركت ومحلات بيع الخضار والفواكه والماء والصيدلات وغيرها التي أستمرت في أعمالها اليومية بشكل إعتيادي، وبالتالي هي ملزمة بالإلتزامات المترتبة عليها بموجب عقد الإجارة بشكله الطبيعي من دون النظر إليها كقطاع قد تعرض لظرف طارئ.

الحالة الثانية: وهم طائفة القطاعات التي تأثرت بفيروس كورونا و بأوامر الدفاع مثل قطاع الملابس والأحذية والحرف الصناعية كالنجار والحداد والمحامون والمهندسون وغيرهم التي تعطلت أعمالهم اليومية بموجب الظرف الطارئ التي تعيشه البلاد، وبالتالي يجب النظر في الإلتزامات المترتبة عليهم بموجب عقد الإجارة في هذه الحالة كظرف طارئ وعلى المحكمة المختصة وما لها من صلاحيات أن تنتخب خبراء لتقدير إلى مدى رد الإلتزام بين المالكين والمستأجرين إلى الحد المعقول.

أن المقصود بالمنفعة المعقودة من المأجور وفقا لما جاء في عقد الإجارة هو تمليك المنفعة المقصودة من الشيء، وكون المستأجريين قد حرموا من إستعمال المأجور للغاية المؤجر من أجلها وبالتالي هو غير ملزم بدفع الأجرة خلال مدة المنع. وهذا ما نصت عليه المادة 698/1 من القانون المدني والتي جاء فيها (إذا صدر عن السلطات المختصة ما يمنع الإنتفاع الكلي بالمأجور دون سبب من المستأجر تفسخ الإجارة وتسقط الأجرة من وقت المنع)، وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز الأردنية في القضية رقم 35/2006.

ومن التطبيقات المهمة في عقود الإجارة، ولإن العديد من العقود تبرم على نماذج جاهزة أو غير ذلك فإنه غالبا ما يوجد بند في عقود الإجارة وخصوصا البند السادس الذي ينص "أنه إذا أمتنع أو تأخر المستأجر عن دفع قسط من الأقساط في ميعاد إستحقاقه فتصبح جميع الأقساط الأخرى مستحقة حالا وللمؤجر ايضا الخيار بفسخ العقد و إستلام المأجور ..." فإذا أقام المؤجر دعواه مستقبلا مستندأ على هذا البند، هنا للمحكمة سلطة تقديرية في تطبيق نظرية الظروف الطارئة التي من الممكن أن تؤدي إلى تعطيل هذا البند من العقد حيث أن الإخلال في الإلتزام من قبل المستأجر عن نشأ عن سبب لا يد له فيه.

يجب أن نلاحظ أن قانون الدفاع لا يعطل القوانين الأخرى، وتبقى سارية المفعول إلا إذا صدر أمر دفاع تضمن إيقاف العمل بقانون معين أو مادة معينة. ومن غير المستبعد وفي القريب العاجل أن يصدر أمر دفاع لحسم الالتزامات والعقود التي تنظم عقود الإجارة ما بين المالكين والمستأجرين.

أن هذه الأجراءات التي أتخذتها الحكومة الأردنية من أجل مواجهة والتصدي لوباء كورونا، قد يكون لها أثر على الوضع الإقتصادي الوطني، وقد تلحق ضرر بين المستأجرين والمؤجرين بموجب عقود الإجارة التي برمت فيما بينهم. ولإن هذه القرارات هي صدرت في ظروف إستثنائية فلا تلزم الحكومة بالتعويض عن الأضرار التي نشأت أو التي سوف تنشأ لإنها من أعمال السيادة، التي تندرج تحت مصلحة الدولة العليا، حيث سعت الحكومة من هذه القرارت إلى حماية النفس البشرية من الهلاك.

معلومات التواصل

How useful was this post?

Click on a star to rate it!

Average rating 5 / 5. Vote count: 1

No votes so far! Be the first to rate this post.

Share this post


ARE YOU LOOKING FOR

Experienced Attorneys?

Get a consultation right now